فصل: فصل في الجوع واشتداده وفي الشهوة الكلبية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في فساد الشهوة:

أنه إذا اجتمع في المعدة خلط رديء مخالف للمعتاد في كيفيته اشتاقت الطبيعة إلى شيء مضاد له. والمضاد للمخالف المعتاد مخالف للمعتاد فإنّ المنافيات هي الأطراف وبالعكس.
فلذلك يعرض لقوم شهوة الطين بل الفحم والتراب والجصّ وأشياء من هذا القبيل لما فيها من كيفية ناشفة ومقطّعة تضاد كيفية الخلط.
وقد يعرض للحبلى لاحتباس الطمث شهوة فاسدة أكثر من أن يعرض لها بطلان الشهوة.
والسبب فيه ما ذكرناه وذلك إلى قريب من شهرين أو ثلاثة وذلك لأن الطمث منها يحتبس لغذاء الجنين ولأنه إن سال خيف عليها الإسقاط ثم لا يكون بالجنين في أوائل العلوق حاجة إلى غذاء كثير لصغر جثته فيفصل ما يحتبس من الطمث عن الحاجة فيفسد وتكثر الفضول في الرحم وفي المعدة فإذا صار الجنين محتاجاً إلى فضل غذاء وذلك عند الرابع من الأشهر قل هذا الفضل وقلت هذه الشهوة وهي التي تسمى الوحم والوحام.
وأصلح ما تتغير هذه الشهوة أن يكون إلى الحامض والحريف وأفسده أن يكون إلى الجاف واليابس مثل الطين والفحم والخزف.
وقد يعرض مثل ذلك للرجال بسبب الفضول.
المعالجات لفساد الشهوة: يجب أن يستفرغ الخلط الموجب للشهوة الفاسدة بما ذكرنا من الأدوية التي يجب استعمالها.
ومن التدبير المجرّب لذلك أن يؤخذ سمك مليح وفجل منقوع في السكنجبين ويؤكلان ثم يشرب عليهما ماء طبخ فيه لوبيا أحمر وملح وشبث وحرف وبزر جرجير ويسقى سقياً.
وربما جعل فيه الطين الموجود في الزعفران مقدار ثلاثة دراهم ويقيأ به في الشهر مرة أو مرتين ثم يستعمل معجون الهليلج بجوز جندم.
ومما ينفع في ذلك كمّون كرماني ونانخواه يمضغان على الريق وبعد الطعام ويؤكل سفوفاً أو يؤخذ وزن درهم قاقلة صغار ومثله كبار ومثله كبابة ومثل الجميع سكّر طبرزذ ويؤخذ كل يوم.
ومن الأدوية المركبة بجفت البلوط الشديدة النفع مثل الدواء الذي نحن واصفوه ونسخته: يؤخذ جفت البلوط ثمانية دراهم صبر ستة عشر درهماً حشيشة الغافت ستة دراهم أصل الأذخر أربعة دراهم مر درهمان يرض الجميع ويطبخ في رطلين ماء حتى يبقى النصف ويسقى كل يوم ثلث رطل ثلاثة أيام متوالية.
وأيضاً جفت وزن درهمين أنيسون ثلاثة دراهم زبيب سبعة دراهم إهليلج أسود بليلج أملج من كل واحد خمسة دراهم خبث الحديد منقوع في الخل الحاذق مراراً وقد قلي كل مرة على الطاجن وزن عشرة دراهم يطبخ بثمان أواق شراب عفص وثمان أواق ماء حتى يتنصف ويعطى على الريق سبعة أيام.
وأما شهوة الطين فيجب في علاجها أن يستفرغ الخلط المستدعى لذلك بالقيء المعلوم لمثله مثل الذي يكون بعد أكل السمك المالح بماء اللوبيا والفجل والشبث وما هو أيضاً أقوى من هذا وإن احتيج أيضاً إلى إسهال فعل ومن ذلك الاستفراغ بالتربد وحب البرنج والملح النفطي فإنه نافع وخصوصاً إن كان هناك ديدان ثم بعد ذلك يستعمل الأدوية الخبيثة وغيرها المذكورة في القراباذين.
ويجب أن يتخذ من المصطكي والكمون والنانخواه علك يمضغه وأن يؤخذ من القاقلتين من كل واحد منهما درهم ومن السكر الطبرزذ مثل الجميع على الريق ويتحسى عليه ماء فاتر مراراً كثيرة قليلاً قليلاً.
ومما جرب لهم هذا المعجون ونسخته: يؤخذ هليلج وبليلج وأملج وجوز جندم مصطكي قاقلة كبار نانخواه زنجبيل من كل واحد حسب ما تعلم قوانين ذلك وترى المزاج والعلة بقدر ذلك ثم يعجن بعسل ويشرب قبل الطعام ربعه قدر الجوزة.
ومن التدبير الجيد فيه أن يقيأ صاحبه ويصلح مزاج معدته ثم يؤخذ الطين الجيد ويحل في الماء ويجعل فيه من الأدوية المقيئة ما ليس له طعم ظاهر ثم يجعل فيه من الملح ما يطيبه ثم يجفف ويشمس ويلزم مشتهي الطين أن يتناول منه شيئاً يكون فيه من الدواء ما لا يزيد على شربة أو شربة ونصف فإنه يتقيأه مع ما أكله وخصوصاً إن كان شيئاً قبيح القيء مثل الكرنب ونحوه فينفض الطين.
وقد زعم بعضهم أن أنفع ما خلق الله تعالى لدفع شهوة الطين أن يطعم على الريق من فراخ مشوية وينتقل بها بعد الطعام قليلاً قليلاً.
والتنقل بالنانخواه عجيب جداً وكذلك باللوز المر.
وقد ادعى بعضهم أن شرب سكرجة من الشيرج تقطعها وينبغي أن يعول في هذا على التجربة لا على القياس.
ومما ينفعهم مع نيابة الطين الجوز جندم ومص المملّحات ولو من الحجارة.
وقد جرب نشا الحنطة وخصوصاً المملح.
ومما جرّب لهم أن يؤخذ من الزبيب العفص ثمان أواق يطبخ حتى يبقى نصف رطل ويصفى ويسقى على الريق أسبوعا.
ومما يجب أن يستعملوه في الانقال الفستق والزبيب والشاهبلوط والقشمش.
وقد جرّب لبعضهم أن يتناول الزرباجة وفيها سمَك صغار وبصل وكرويا وزيت مغسول والأفاويه مثل الفلفل والزنجبيل والسذاب قيل أنه شديد النفع منه وقد ذكرنا تدبير من يشتهي الحامض والحريف دون الحلو والدسم وآثر القيء في غير هذا الموضع.

.فصل في الجوع واشتداده وفي الشهوة الكلبية:

كثيراً ما تهيج هذه الشهوة الكلبية بعد الاستفراغات والحمّيات المتطاولة المحلّلة للبدن.
وقد يعرض لضعف القوة الماسكة في البدن فيدوم التحلل المفرط وتدوم الحاجة إلى شدّة تبديل وقد تعرض الشهوة الكلبية لحرارة مفرطة في فم المعدة تحلّل وتستدعي البدل فيكون فم المعدة دائماً كأنه جائع.
وهذا في الأكثر يعطش وفي بعض الأحوال يجوّع إذا أفرط تحليله وإنما المجوع في الأكثر هو إفراط الحرارة في البدن كله وفي أطرافه فإن الحرارة وإن كانت إذا اختصت بفم المعدة شهت الماء والسيالات المرطبة فإنها إذا استولت على البدن حللت وأحوجت العروق إلى مص بعد مص حتى ينتهي إلى فم المعدة بالتقاضي المجيع وربما كانت هذه الحرارة واردة من خارج لاشتمال الهواء الحار على البدن إذا صادفت تخلخلاً منه وإجابة إلى التحليل وحاجة وقد يكون فضل تخلخل البدن وحده سبباً في ذلك إذا كانت هناك حرارة باطنة منضجة محللة ولا سيما إن كان هناك حرارة خارجة أو معونة من ضعف الماسكة.
وقد يعرض أيضاً من النوازل من الرأس.
وذلك في النادر وقد يكون بسبب الديدان والحيات الكبار إذا بادرت إلى المطعومات ففازت بها وتركت البدن والمعدة جائعين.
وقد يكون الخلط حامض إما سوداء وإما بلغم حامض يدغاع فم المعدة ويفعل به كما يفعل مص العروق المتقاضية بالغذاء وخصوصاً ويلزمه أن يتكاثف معه الدم ويتقلص فيحس في فوهات العروق مثل الجلاء المصّاص.
وأيضاً فإن الحامض بتقطيعه ودباغته ينحي الأخلاط اللزجة إن كانت في فم المعدة التي تضاد الشهوة لأن الحركة مع حصول مثل هذه الأخلاط اللزجة تكون إلى الدفع أشد منها إلى الجذب.
وأيضاً فإن ليف المعدة تشتد حركته إلى التكاثف والتقبّض الذي يعتري مثله عند حركة مص العروق وحركة القوة الجاذبة.
والذي يعرض من كلب الجوع للمسافرين في البرد الشديد قد يجوز أن يكون بهذا السبب ونحوه.
ومن الأسباب المحرّكة للشهوة والجوع السهر بفرط تحليله وجذبه الرطوبات إلى خارج تابعه لانبساط الحرارة إلى خارج.
واعلم أن الشهوة الكلبية كثيراً ما تتأدّى إلى بوليموس وسبات ونوم.
العلامات: علامة ما يكون عقيب الاستفراغات والأمراض المحللة تقدّمها وأن لا تكون الطبيعة في الأكثر منحلة لأن البدن يجذب بلّة الغذاء إلى نفسه فيجفف الثفل وعلامة ما يكون من برودة قلة العطش وكثرة التفل والنفخ وسائر علامات هذا المزاج ومن جملة ذلك برودة الهواء المطيّف.
وعلامة ما يكون من حرارة أن يكون العطش قوياً يكون ولا يكون قيء حامض وتكون الطبيعة في الأكثر معتقلة وسائر علامات هذا المزاج.
وعلامةّ ما يكون من ضعف القوة الماسكة في البدن كله وفي المعدة كثرة خروج البراز الفج وتأدّي الحال إلى الذرب وسائر العلامات المناسبة المعلومة.
وعلامة ما يكون من كثرة التحلّل ما سلف ذكره من أسباب التحلل المذكورة في الكتاب الأول وأن لا يكون في الهضم آفة.
ومن جملة هذه العلامات السببية حرارة الهواء المطيّف به والسهر ونحوه.
وعلامة ما يكون من خلط حامض أو سوداء قلة شهوة الماء وحموضة الجشاء وسائر العلامات المناسبة المعلومة.
وعلامات النوازل من الرأس ما ذكرناه في بابها.
وعلامة الديدان ما عرف في موضعه وما نذكره في بابها.
المعالجات: أما ما يكون من برد وفضل بلغم فيجب أن يعالج بالتنقية المعروفة بالمسخّنات المذكورة والشراب الكثير الذي لا عفوصة فيه ولا حموضة البتة فيشفي بهما يسقى منه سخناً على الريق فانه أنفع علاج لهم اللهم إلا أن يكون بهم إسهال فيجب أن يجنبوا الشراب كله فإن القابض يزيد في كلبهم والمرّ يزيد في إسهالهم.
ويجب أن يكون ما يغذون به دسماً حار المزاج مثل ما يدسم باهال الجمال.
والزيت نافع لهم إذا لم يكن فيه عفوصة وحموضة والجوذاب نافع لهم.
ومما يجب أن يطعموه صفرة البيض مشوية جَداً بعد الطعام ويجب أن يبعد عن الحامض والعفص وتستعمل لهم الجوارشنات العطرة كالجوزي وكجوارشن النارمشك وخصوصاً إذا كان بهم إسهال.
ومن المسوحات النافعة لهم مسك ولاذن وقد جرّب لهم حبة الخضراء على الريق أياماً.
وأما ما كان عن ضعف القوة الماسكة فإنها- وإن كانت في الأكثر تضعف بسبب البرد- فقد تضعف هي وكل قوة بسبب كل سوء مزاج ولا تلتفت إلى قول من ينكر هذا ويستغلظه بل يجب أن يتعرف المزاج ويقابل بالضد من العلاج حسب ما تعلم قوانين ذلك.
والأغلب ما يكون مع رطوبة وهؤلاء ينفعهم الجوزي جداً فإن كانت طبيعتهم شديدة الانطلاق فاحبسها فإن في حبسها علاجاً شديداً قوياً لهذا الداء.
وأما من عرض له هذا عقيب الحميّات والاستفراغات فيجب أن يغذى بما ينقي ما في فم المعدة من الدسومات التي ليست برديئة الجوهر مثل دهن اللوز بالسكر وأن يكثف منهم ظاهر البدن وكذلك علاج ما يعرض بسبب التحلّل الكثير ويجب أن لا يتعرّض صاحب هذا النوع من جوع الكلب للمسخنات والأشربة بل يغذى من الأطعمة الباردة ويطلى من خارج بما يسدّ المسام مثل دهن الآس وخصوصاً قيروطياً ومن الشب المدوف في الخلّ ويستعمل الاغتسال بالماء البارد اللهم إلا أن يكون مانع ويجب أن تكون أغذيته باردة لزجة غليظة كالبطون والمخللات والمحمضات والمعقودات والخبز الفطير وكما يجد من هذا التدبير نفعاً فعليه أن يهجره قليلاً قليلاً بالتدريج ويتلافى غائلته وكذلك من كان سبب جوعه الكلبي تخلخل البدن.
وأما ما كان بسبب الديدان والحيات فيجب أن يميتها ويخرجها بما نذكر في باب الديدان وأن يغذّى بالأغذية الباردة الغليظة والخبز المنقوع في الماء البارد وماء الورد وما لم يهرأ في الطبخ من لحمان الديوك والدجج والسمك ويستعمل الفواكه القابضة.
وأما ما كان بسبب بلغم حامض فيجب أن يتناول صاحبه ما يقع فيه الصعتر والخردل والفلفل وأن يطعم العسل والثوم والبصل والجوز واللوز والدسومات والشحوم كشحوم الدجاج ونحوها.
والغرض في بعضها التسخين وذلك البعض هو الأدوية الحارة المذكورة وفي بعضها تعديل الحموضة وذلك البعض هو الأغذية الدسمة المذكورة.
ومن كان قوياً يحتمل الإسهال استسهل بعد استعمال هذه الملطّفات بالأيارج مقوى بما يقوى به ثم أعطى الدسومات.
وأما الصبيان فإذا لطفوا بمثل البصل والثوم والأغذية الملطفة فليدم سقيهم ماء حاراً بعد التدبير بالملطّفات فإن ذلك يغسل أخلاطهم.
وأما ما كان بسبب سوداء تنصب دائماً فربما احتيجوا إلى فصد الباسليق الأيسر إن كان الدم فيهم كثيراً فيرسب سوداء كثيرة كثرته وكان الطحال وارماً ويستعمل في استفراغاتهم ما رسم في القانون ويهجرون الحوامض والقوابض وربما نفعهم الحجامة على الطحال.
وأما النصف الذي يكون من الحرارة فيعالج بما تدري ويعطى الأغذية اللطيفة والقثاء والبطيخ والقرع وغير ذلك ويجنب الهواء الحار.